فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.موعظة:

.قال ابن الجوزي:

.المجلس الأول في ذكر آدم عليه الصلاة والسلام:

الحمد لله الذي سير بقدرته الفلك والفلَك ودبر بصنعته النور والحلك اختار آدم فحسده الشيطان وغبطه الملك وافتخروا بالتسبيح والتقديس فأما إبليس فهلك {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} تعالى عن وزير وتنزه عن نظير قبل من خلقه اليسير وأعطى من رزقه الكثير أنشأ السحاب الغزير يحمل الماء النمير ليعم عباده بالخير ويمير فكلما قصر القطر في الوقع صاح الرعد بصوت الأمير وكلما أظلمت مسالك الغيث لاح البرق يوضح وينير فقامت الوُرْق على الوَرق تصدح بالمدح على جنبات الغدير فالجماد ينطق بلسان حاله والنبات يتكلم بحركاته وبأشكاله والكل إلى التوحيد يشير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير أحمده وهو بالحمد جدير وأقر بأنه مالك التصوير والتصبير وأصلي على محمد رسوله البشير النذير وعلى صاحبه أبي بكر الصديق وعلى عمر ذي العدل العزير وعلى عثمان مجهز جيش العسرة في الزمان العسير وعلى عليّ المخصوص بالموالاة يوم الغدير وعلى عمه العباس المستسقى به الماء النمير جد سيدنا الإمام الناصر لدين الله أمير المؤمنين أدام الله أيامه إدامة رضوى وثبير اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وألهمنا القيام بحقك وبارك لنا في الحلال من رزقك وعد علينا في كل حال برفقك وانفعني بما أقول والحاضرين من خلقك برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} إذ كلمة جعلت لما مضى من الأوقات فكأنه قال اذكر ذلك الوقت والملائكة واحدهم ملك والأصل ملأك وأنشد سيبويه:
فلست بإنسي ولكن لملأك ** تنزل من جو السما يصوب

ومعنى ملأك صاحب رسالة يقال مألكة وملأكة واختلف العلماء ما المقصود بإعلام الملائكة بخلق آدم عليه السلام على تسعة أقوال أحدها أنه أراد إظهار كبر إبليس وكان ذلك قد خفي على الملائكة لما يرون من تعبده رواه الضحاك عن ابن عباس والثاني ليبلو طاعة الملائكة قاله الحسن والثالث أنه لما خلق الله تعالى النار جزعت الملائكة فقال هذه لمن عصاني فقالوا أو يأتي علينا زمان نعصيك فيه فأخبرهم بخلق غيرهم قاله ابن زيد والرابع أنه أراد إظهار عجزهم عما يعلمه لأنهم قاسوا على حال من كان قبل آدم والخامس أن الملائكة التي طردت الجن من الأرض قبل آدم أقاموا في الأرض يعبدون فأخبرهم أني جاعل في الأرض خليفة ليوطنوا أنفسهم على العزل والسادس أنهم ظنوا أن الله لا يخلق خلقًا أكرم منهم فأخبرهم بما يخلق والسابع أنه أعلمهم بما سيكون ليعلموا علمه بالحادثات والثامن أنه أراد تعظيم آدم بذكره قبل وجوده والتاسع أنه أعلمهم أنه خلقه ليسكنه الأرض وإن كان ابتداء خلقه في السماء والخليفة القائم مقام غيره يقال خلف الخليفة خلافة وخليفي وعلى وزن ذلك أحرف منها خطيبي من الخطبة ورديدي من الرد ودليلي من الدلالة وحجيزي من حجزت وهزيمي من هزمت قال أبو بكر ابن الأنباري والأصل في الخليفة خليف فدخلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف كما قالوا علامة ونسابة وراوية وفي معنى خلافته قولان أحدهما خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه روى عن ابن عباس ومجاهد والثاني أنه خلف من كان في الأرض قبله روى عن ابن عباس قوله تعالى: {أتجعل فيها من يفسد فيها} الألف للإستفهام وفيها ثلاثة أقوال أحدها أنه استفهام إنكار والتقدير كيف تفعل هذا وهو لا يليق بالحكمة وروى يحيى بن كثير عن أبيه قال كان الذين قالوا هذا عشرة آلاف من الملائكة فأرسلت عليهم نار فأحرقتهم والثاني أنه استفهام إيجاب تقديره ستجعل كما قال جرير ألستم خير من ركب المطايا قاله أبو عبيدة والثالث أنه استفهام استعلام ثم في مرادهم أربعة أقوال أحدها أنهم استعلموا وجه الحكمة في جعل من يفسد والثاني أنهم استعظموا معصية المستخلفين فكأنهم قالوا كيف يعصونك وقد استخلفتهم وإنما ينبغي أن يسبحوا كما نسبح نحن والثالث أنهم تعجبوا من استخلاف من يفسد والرابع أنهم استفهموا عن حال أنفسهم فتقدير الكلام أتجعل فيها من يفسد ونحن نسبح أم لا ذكره ابن الأنباري والمراد بالفساد العمل بالمعاصي وسفك الدم صبه وإراقته وشدد السين أبو نهيك وقرأ طلحة بن مصرف يسفك بضم الفاء.
والتسبيح التنزيه لله من كل سوء والتقديس التطهير والمعنى ننزهك ونعظمك قوله تعالى: {إني أعلم ما لا تعلمون} أي أنه سيكون من ذريته أنبياء صالحون وأما خلق آدم فأخبرنا هبة الله الشيباني قال أخبرنا الحسن بن علي التميمي قال أخبرنا أحمد بن جعفر قال أخبرنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن جعفر عن عوف الأعرابي عن قسامة بن زهير عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك واختلف العلماء فيمن جاء بالطين الذي خلق منه آدم على قولين أحدهما أنه إبليس قاله ابن عباس وابن مسعود والثاني ملك الموت قال السدي عن أشياخه بعث الله ملك الموت فجاء بالطين فبل ثم ترك أربعين سنة حتى أنتن ثم نفخ فيه الروح حدثنا عبد الله بن محمد القاضي ويحيى ابن علي المدني قال أخبرنا أحمد بن يحيى النقور قال أخبرنا ابن حبابة قال حدثنا البغوي قال حدثنا هدبة قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نفخ في آدم الروح مارت فطارت فصارت في رأسه فعطس فقال الحمد لله فقال له الله تعالى رحمك الله قال العلماء خلق آدم يوم الجمعة وكان طوله ستون ذراعًا وعرضه سبعة أذرع وفي تسميته آدم قولان أحدهما لأنه خلق من أديم الأرض قاله سعيد بن جبير وأديم الأرض وجهها والثاني أنه مأخوذ من الأدمة وهي سمرة اللون قاله الضحاك قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} والصحيح أن هذا على إطلاقه فإن قوما قالوا علمه أسماء الملائكة.
قوله تعالى: {ثم عرضهم} يعني المسميات فقال للملائكة أنبئوني أي أخبروني بأسماء هؤلاء وفي قوله: {إن كنتم صادقين} ثلاثة ثلاثة أقوال أحدها إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون ويسفكون الدماء قاله السدي عن أشياخه والثاني إن كنتم صادقين أني لا أخلق أعلم منكم وأفضل قاله الحسن والثالث أن المراد إبليس لأنه قال إن فضلت عليه لأهلكنه فالتقدير إن كنت صادقا أنك تفعل ذلك فأنبئني بأسماء هؤلاء {فلما أنبأهم بأسمائهم} أقرت الملائكة بالعجز: {قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا} فقال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم قال الله تعالى: {ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض} أي ما غاب فيها {وأعلم ما تبدون} من الطاعة {وما كنتم تكتمون} من أن الله لا يخلق أفضل منكم وقيل ما كتم إبليس من الكبر ثم أمر الله تعالى الملائكة بالسجود له فسجدوا إلا إبليس أنبأنا محمد بن عمر الأرموى قال أنبأنا أبو الحسين محمد بن علي المهندي قال أنبأنا ابن شاهين قال أنبأنا عبد الله بن سليمان قال حدثنا هارون بن زيد ابن الزرقاء قال حدثنا ضمرة بن ربيعة عن قادم بن مسور قال قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدم أول من سجد له إسرافيل فأثابه الله عز وجل أن كتب القرآن في جبهته قوله تعالى: {اسكن أنت وزوجك الجنة} زوجه حواء خلقت من ضلعه وهو في الجنة والرغد الرزق الواسع وفي الشجرة المنهى عنها خمسة أقوال الأول الحنطة والثاني الكرم روى ابن عباس والثالث التين قاله عطاء وقتادة والرابع شجرة الكافور روى عن علي عليه السلام والخامس النخلة قاله أبو مالك.
قوله تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها} أي حملهما على الزلل وقرأ الأعمش فأزالهما أي عن الجنة قال السدى دخل الشيطان في فم الحية فكلمهما وقال الحسن ناداهما من باب الجنة فإن قيل إن كان آدم تعمد فمعصيته كبيرة والكبائر لا تجوز على الأنبياء وإن كان نسي فالنسيان معفو عنه فالجواب أن العلماء اختلفوا فقال بعضهم فعل ذلك عن نسيان والأنبياء مطالبون بحقيقة التيقظ وتجويد التحفظ أكثر من غيرهم والنسيان ينشأ من الذهول عن مراعاة الأمر فكانت المؤاخذة على سبب النسيان وقال بعضهم تعمد الأكل لكنه أكل متأولا وفي تاويله قولان أحدهما أنه تأول الكراهة دون التحريم والثاني أنه نهي عن شجرة فأكل من جنسها ظنا أن المراد عين تلك الشجرة قوله تعالى: {قلنا اهبطوا منها جميعا} قال ابن عباس أهبط آدم وحواء وإبليس والحية أما آدم فأهبط على جبل بالهند يقال له واسم وحواء بجدة والحية بنصيبين وإبليس بالأبلة وكان مكث آدم في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة وهو خمسمائة سنة وأنزل معه الحجر الأسود وعصا موسى وكانت من آس الجنة فأمره الله تعالى أن يذبح كبشا من الضأن مما أنزل الله تعالى إليه فذبحه ثم جز صوفه فعزلته حواء فنسج لنفسه جبة ولحواء درعا وخمارا وعلم الزراعة فزرع فنبت في الحال فحصد وأكل ولم يزل في البكاء قال وهب بن منبه سجد آدم على جبل بالهند مائة عام يبكي حتى جرت دموعه في وادي سرنديب فأنبت الله تعالى في ذلك الوادي من دموعه الدارصيني والقرنفل.
وجعل طير ذلك الوادي الطواويس ثم جاءه جبريل عليه السلام فقال ارفع رأسك فقد غفر لك فرفع رأسه ثم أتى الكعبة فطاف أسبوعا فما أتمه حتى خاض في دموعه وأما الكلمات التي تلقاها آدم فهي قوله تعالى: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} قال العلماء التقى آدم وحواء بعرفات فتعارفا ثم رجعا إلى الهند فاتخذوا مغارة يأويان فيها وولدت حواء لآدم أربعين ولدا في عشرين بطنا وبعرفات مسح الله ظهر آدم فأخرج جميع ذريته فنشرهم بين يديه فرأى فيهم رجلا فأعجبه فقال من هذا قال داود قال كم عمره قال ستون سنة قال فزده من عمري أربعين فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت فقال أو لم يبقى من عمري أربعون سنة قال أو لم تعطها ابنك داود قال ما فعلت فأتم الله عز وجل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة وهذا الجحد إنما ينسب إلى النسيان ومرض آدم أحد عشر يوما وجاءته الملائكة بالأكفان والحنوط فقبض يوم الجمعة وصلى عليه وفي حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لما صلت على آدم كبرت عليه أربعا وقال ابن عباس مات آدم على نود وهو الجبل الذي أهبط عليه فصلى عليه شيث وكبر ثلاثين تكبيرة.
ولما ركب نوح السفينة حمل آدم ودفنه في بيت المقدس ولم يمت حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا وقال عروة لما مات آدم وضع عند باب الكعبة وصلى عليه جبريل ودفنته الملائكة في مسجد الخيف والله أعلم فصل وقد حذَّرت قصة آدم من الذنوب وخوفت عواقبها وكان بعض السلف يقول غرقت السفينة ونحن نيام آدم لم يسامح بلقمة ولا داود بنظرة ونحن على ما نحن فيه.

.الكلام على البسملة:

يا ناظرا يرنوا بعيني راقد ** ومشاهدا للأمر غير مشاهد

منيت نفسك ظلة وأبحتها ** طرق الرجاء وهن غير قواصد

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ** درج الجنان بها وفوز العابد

ونسيت أن الله أخرج آدما ** منها إلى الدنيا بذنب واحد

روى الضحاك عن ابن عباس قال بينما آدم يبكي إذ جاءه جبريل عليهما السلام فسلم عليه فبكى آدم فبكى جبريل لبكائه وقال يا آدم ما هذا البكاء فقال يا جبريل وكيف لا أبكي وقد حولني ربي من السماء إلى الأرض ومن دار النعمة إلى دار البؤس فانطلق جبريل بمقالته فقال الله تعالى يا جبريل انطلق إليه وقل له يا آدم يقول لك ربك ألم أخلقك بيدي ألم أنفخ فيك من روحي ألم أسجد لك ملائكتي ألم أسكنك جنتي ألم آمرك فعصيتني وعزتي وجلالي لو أن ملء الأرض رجالا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين غير أنه يا آدم سبقت رحمتي غضبي وقد سمعت تضرعك ورحمت بكاءك وأقلت عثرتك.
طوبي لمن قرن ذنبه بالاعتذار وتلافاه باستغفاره آناء الليل وأطراف النهار والويل كل الويل لمن أحكم عقد الإصرار أيها العاصي تفكر في حال أبيك وتذكر ما جرى له ويكفيك أبعد بعد القرب من ربه وأهبط من الجنة لشؤم ذنبه وأسره العدو بخديعته في حربه ويسعى في هلاكك فاعتبر به فرحم الله امرأ تأهب لمحاربة عدوه في رواحه وغدوه فإنه مراصده في القول والعمل ويحسن له بالمكر والتسويف الأمل ويذكره الهوى وينسيه الأجل فليلبس أحصن الجنن فالرامي يطلب الخلل:
اصبر لمر حوادث الدهر ** فلتحمدن مغبة الصبر

واجهد لنفسك قبل ميتها ** واذخر ليوم تفاضل الذخر

فكأن أهلك قد دعوك فلم ** تسمع وأنت محشرج الصدر

وكأنهم قد قلبوك على ** ظهر السرير وأنت لا تدري

وكأنهم قد زودوك بما ** يتزود الهلكى من العطر

يا ليت شعري كيف أنت إذا ** غسلت بالكافور والسدر

أوليت شعري كيف أنت على ** نبش الضريح وظلمة القبر

يا ليت شعري ما أقول إذا ** وضع الكتاب صبيحة الحشر

ما حجتي فيما أتيت على ** علم ومعرفة وما عذري

يا سوأتا مما اكتسبت ويا ** أسفي على ما فات من عمري

ألا أكون عقلت شأني فاستقبلت ما استدبرت من أمري يا مضيع الزمان فيما ينقص الإيمان يا معرضا عن الأرباح معترضًا للخسران متى تنتبه من رقادك أيها الوسنان متى تفيق لنفسك أما حق أما آن:
رجوت خلودا بعد ما مات آدم ** ونوح ومن بعد النبيين من قرن

وسوفت بالأعمال حتى تصرمت ** سنوك فلا مال ولا ولد يغني

فشمر لدار الخلد فاز مشمر ** إليها ونال الأمن في منزل الأمن

لقد شغلتنا أم دفر بزخرف ** شغلنا به عن طاعة الله ذي المن

عجبت لدنيا لا تسر وإنما ** تشوب على تلك المسرة بالحزن

ونحن عليها عاكفون كأنما ** ينا نبه من فعلها حلم الجفن

إلام يرفض قول الناصح وقد أتاك بأمر واضح أترضى بالشين والقبائح كأنى بك قد نقلت إلى بطون الصفائح وبقيت محبوسا إلى الحشر تحت تلك الضرائح وختم الكتاب على آفات وقبائح:
إنا على قلعة من همذه الدار ** نساق عنها بإمساء وإبكار

نبكي ونندب آثار الذين مضوا ** وسوف تلحق آثار بآثار

طالت عمارتنا الدنيا على غرر ** ونحن نعلم أنا غير عمار

يا من يحث بترحال على عجل ** ليس المحلة غير الفوز من نار

فاترك مفاخرة الدنيا وزينتها ** يوم القيامة يوم الفخر والعار

لقد أبانت الدنيا للنواظر عيوبها وكشفت للبصائر غيوبها وعددت على المسامع ذنوبها وما مرت حتى أمرت مشروبها فلذتها مثل لمعان برق ومصيبتها واسعة الخرق سوت عواقبها بين سلطان الغرب والشرق وبين عبد قن وحقير ولا فرق فما نجا منها ذو عدد ولا سلم فيها صاحب عدد مزقت والله الكل بكف البدد ثم ولت وما ألوت على أحد أخبرنا أحمد بن محمد المدادي قال أنبأنا الحسن بن أحمد بن البنا قال حدثنا الحسين بن بشران قال حدثنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني أبو علي الطائي قال حدثني المحاربي عن ليث أن عيسى بن مريم عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة فقال لها كم تزوجت فقالت لا أحصيهم قال أو كلهم مات عنك أو كلهم طلقك قالت بل كلهم قتلت فقال عيسى بؤسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين:
إلام تغر بالأمل الطويل ** وليس إلى الإقامة من سبيل

فدع عنك التعلل بالأماني ** فما بعد المشيب سوى الرحيل

أتأمن أن تدوم على الليالي ** وكم أفنين قبلك من خليل

وما زالت بنات الدهر تفني ** بني الأيام جيلا بعد جيل

لله در أقوام تركوا الدنيا فأصابوا وسمعوا منادى والله يدعو فأجابوا وحضروا مشاهد التقى فما غابوا واعتذروا مع التحقيق ثم تابوا وقصدوا باب مولاهم فما ردوا ولا خابوا أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال حدثنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال أنبأنا محمد بن عبد الله الدقاق أنبأنا ابن صفوان حدثنا أبو بكرالقرشي أخبرنا محمد بن الحسين قال حدثني عبد الله بن عثمان قال حدثني عمار بن عمرو البجلي قال سمعت عمر بن ذر يقول لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم ونظروا إلى أهل الغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم قاموا إلى الله سبحانه وتعالى فرحين مستبشرين بما قد وهب الله لهم من السهر وطول التهجد فاستقبلوا الليل بأبدانهم وباشروا ظلمته بصفاح وجوههم فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة ولا ملت أبدانهم من طول العبادة فأصبح الفريقان وقد ولى الليل بربح وغبن فاعملوا لأنفسكم في هذا الليل وسواده فإن المغبون من غبن خير النيا والآخرة كم من قائم لله تعالى في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته وكم من نائم قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله تعالى للعابدين غدا أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد العزيز بن علي قال حدثنا علي بن عبد الله الصوفي قال حدثني علي بن العباس قال حدثني علي ابن سلمان قال رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النوم فسمعته يقول:
لولا اللذين لهم ورد يقومونا ** وآخرون لهم سرد يصومونا

لد كدكت أرضكم من تحتكم سحرا ** لأنكم قوم سوء ما تطيعونا

يا من أعماله كلها إذا تؤملت سقط كم أثبت له عمل فلما عدم الإخلاص سقط يا حاضر الذهن في الدنيا فإذا جاء الدين خلط يجعل همه في الحساب فإذا صلى اختلط يا ساكتا عن الصواب فإذا تكلم لغط يا قريب الأجل وهو يجري من الزلل على نمط يا متكاثف الدرن لم يغسل ولم يمط يا من لا يعظه وهن العظم ولا كلام الشمط أما خط الشيب يضحك في مفرق الرأس إذا وخط أما المقام للرحيل وعلى هذا شرط يا من لا يرعوي ولا ينتهي بل على منهاج الخطيئة فقط يا مثبتا قبيح المعاصي لو تاب لا نكشط أما تميل إلى الصواب أما تترك الغلط يا من إذا قيل له ويحك أقسط قسط إلى كم جور وظلم إلى كم جهل وشطط ويحك بادر هذا الزمان الخالي الملتقط فالصحة غنيمة والعافية لقط فكأنك بالموت قد سل سيفه عليك واخترط أين العزيز في الدنيا أين الغني المغتبط خيم بين القبور وضرب فسطاطه في الوسط وبات في اللحد محبوسا كالأسير المرتبط واستلبت ذخائره ففرغ الصندوق والسفط وتمزق الجلد المستحسن وتمعط الشعر القطط فكأنه ما رجله قط وكأنه ما امتشط وبعد عنه من يحبه إي والله وسخط ورضي وراثه بما أصابوه وجعلوا نصبه السخط وفرقوا ما كان يجمعه بكف البخل والقنط ووقع في قفر لا ماء فيه ولا حنط وكم حذر من وقوعه وكم أوقف على النقط وكم حدث أن سعد بن معاذ في القبر انضغط ويحك اقبل نصحي ولا تتعرض للسخط واحذر من المعاصي قبلقمة زل آدم وهبط ويحك اغتنم رخص السعر فكأن قد قحط وبادر للسلامة فكأن قبض من بسط وتفكر كيف كف بالعقوبة كف من انبسط أترى تقبل قول النذير أو لا تصدق الفرط.